الاثنين، 30 أغسطس 2010

المصيدة




دق العجوز وتد المصيدة في السهل, ثم ارتدى معطفه المهترىء وصعد إلى سكنه الدائم في أعلى الجبل, وهناك لملم الحطب وأشعل نارا هائجة لشواء ما تجود به الأرض, ثم تمدد داخل الكهف فغالبه النوم لساعة واحدة أفاق بعدها على صوت لم يستطع تمييزه..
أطل من مكمنه المطل على المصيدة, فرأى فريسة تتلوى في الفخ, حمل الخنجر وهبط عن الجبل بسرعة الريح يتخبط بالصخور " ليته غزال.. ليته غزال" بقي يمني نفسه حتى وضع قدميه على أول السهل, أخذ نفسا طويلا من الراحة ثم نظر إلى المصيدة بعيون جائعة, فكانت الفريسة شاباً, صفعت الخيبة أمله, فأكمل مشيه نحو المصيدة ببطء: " بشر؟ يا لكم من صيد سهل وعديم الفائدة" ظل يرددها بسخط وهو يلوح بالخنجر حتى وصل الشاب "أين كنت تنظر؟ للأعلى..آه؟ وتنسون الأرض..
حاول الشاب الوقوف ولكن السلسة القصيرة شدته فسقط فوق العشب, أخذ يتحسس أسنان المصيدة المطبقة على قدمه اليمنى: من ساعة وأنا أصرخ..
تبدلت ملامح العجوز من القسوة إلى الشفقة "وهل الصراخ يفك قيداً" ثم انحنى نحو الشاب واخذ يتحسس جرحه الذي يقطر دماً "ليتك استغليت تلك الساعة وحاولت الخلاص
- حاولت ولكن النزيف كان يزداد...
وقبل أن يكمل قاطعه العجوزغاضبا: "وحين تكف عن المحاولة ستبقى تنزف بلا فائدة", ثم شد إصبعه على الجرح وسمر وجهه بوجه الفتى:
- دم هذا الذي يسيل بلا مقابل أم ليس دماً؟
- دم دم.
- نعم دم لا يحقق شيئاً, لو ضحيت بالمزيد منه لخلّصت قدمك
- ولكني انتظرت أحدهم حتى يأتي..
لم يرق الجواب للعجوز, فتجاهل أنينه ومشى مبتعدا يدوس العشب, ودون أن يلتفت قال "افترض أن لا أحد هنا.. ستبقى هكذا معلقاً مثل فريسة تنتظر آكلها؟"
وأكمل خطواته البطيئة حتى وصل أول سفح الجبل, ولكن فكرة ما اقتحمته فتردد قليلاً ثم عاد إلى المصيدة, استل الخنجر من وسطه, واقترب من الشاب, "ليتك غزال", نظر الشاب إلى الخنجر يلمع في الشمس فتراجع للوراء مرعوباً, فيما العجوز يدنو منه ببطء, رفع الخنجر للأعلى ثم أغمد النصل في التراب وأخذ يحفر حول الوتد حتى بان كله, سحبه من الحفرة ثم رماه في حجر الشاب "هيا انطلق أنت حرٌ الآن".
تململ الشاب وهو ينظر إلى أسنان المصيدة المطبقة على قدمه: حررني من أسنان الفخ.
- لا, سأعطيك حرية الحركة فقط والباقي عليك
حاول الشاب معه, ولكن تصميم العجوز كان يزداد "المصيدة هديه لك" ثم أقنعه بأن الهدايا لا ترد, خجل الشاب أن يتوسل أكثر, حمل الوتد بيده اليمنى, ثم وقف على قدم واحده فتعلقت رجله التي تنهشها أسنان المصيدة في الهواء, وانطلق يقفزعلى الرجل الناجية.. يبتعد ثم يقع ثم يقوم ثم يتعثر..
أما العجوز فصعد إلى مأواه في أعلى الجبل, نظر إلى السهل فرأى الشاب يتأرجح حاملا قيده بيده ويعرج كالكونجر, فهز رأسه يائساً "سيتصفى دمه قطرة قطرة" ثم وضع كفيه حول فمه كالبوق وصاح في البرية بأعلى صوته:
- الدم القليل يذهب سدى, المزيد منه يحقق ما تريد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق