قصص قصيرة - جداً

قصص قصيرة - جداً



الجوعى

لم تنته المعركة بعد, "هي هدنة" هي هدنة قصيرة لملء المعدة, التف الجنود حول المائدة
وعيونهم تقرأ في الأطباق الساخنة وتتساءل "شيء ما ينقص".
ومعاً رفعوا أيديهم لجذب حامِل الخبز, فأتـاهم ووزع الأرغفة, كل رغيف رُميّ على الطاولة أسقط يداً,
فانحنت الأيادي تباعاً... إلا واحدة بقيت مرتفعة.
- رغيفك أمامك أيها الجندي.
(يغادر الجندي المائدة ويده للأعلى)
- رغيفنا تلك الشمس.

----------------------------------------------------

انحيـاز

خمسة رجال مسلحون ببنادق يتدربون على اطلاق النار, يتقدم كل واحد منهم ويصطاد عصفوراً ثم يتراجع خطوتين , كل الطلقات أصابت أهدافها,  جاء الدور عليه, أمسك البارودة وصوبها نحو عصفور صغير يرفرف حراً, راقبه من الفوهة, ودون أن يطلق رصاصته أحنى البارودة وتراجع ثلاث خطوات للوراء...
- لماذا لم تطلق؟
- لأنني أنحاز للحرية التي نقاتل من أجلها.


----------------------------------------------------

قسَم

بأُم عيني رأيتهم يهتكون قدسية الكلمة, ويسطرون المجاز بعفوية المحتضرين,  ثملوا حتى آخر نقطة من كأس الفاء, وعلى اللام يصعدون  إلى الأدنى ليقطعوا البرتقال بأسنان حرف السين,  أما الطاء فكانت مئذنة تنده للمزاد.
والياء عربة, والنون محفظة... 
يا الله كيف وثنوا الكلمة.. ولفظوها مستعارة/ مُترجَمة/مُدبلجة.
ولكن, هل سيأتي الدور على اسمائنا؟
هل سنعمى؟
أقسم بأني سأقيم جنازة نشاز لألف لغة؛ إذا مسوا حرف "العين" من إمامة اسمي.
   

----------------------------------------------------

تفاعل عفوي

حفلة تنكرية, يتماهى الحضور وراء أقنعة يقتدون بأصحابها.
يدخل شاب متخفيا بثياب عامل نظافة.. يصفق الحضور حُباً في البيئة.
يتبعه آخر يلبس زي رائد فضاء.. يقف الجميع تقديرا للعلم.
تدخل فتاة تلبس وجه الموناليزا.. ينحني الحفل إعجابا بالفن.
يأتي شخص رابع يلبس قناعا لوجه الرئيس.. يقف الحضور لدقيقة, ثم يلحقون به مرددين أقبح الشتائم.

----------------------------------------------------


قلق لا يزول

اليوم وفي 2011 كل البيوت مضاءة احتفالاً بالإنجاز العلمي, حطت سفينة فضاء على سطح كوكب جديد, أطفأ اللاجىء التلفاز وخرج إلى الشارع ينظر إلى السماء ويقول: "-انقذوهم لقد استفردوا بهم".
تكاثر حوله الناس يتساءلون وهو يشير إلى شهاب مضيء "-هذا الصاروخ سيضربهم.. لا تتخلوا عنهم".
قال المارة"-لا يوجد سكان على ذلك الكوكب يا شيخ".
قال اللاجىء "-أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.. ذات الكذبة التي قالوها حين استفردوا بنا"..
ثم أكمل طريقه يجمع الناس ويشير بيده إلى النيازك والشهب الطائرة: تلك الصواريخ ستدمر قُراهم.. لا تتخلوا عنهم.


----------------------------------------------------

حاضر بصيغة الماضي

(حدث في ثكنة تأهيل القيادات قبل سبعة عشر عاما)
عقد ياسر عرفات الكوفية البيضاء حول عنقه وبدأ يشرح للطلاب مآثرها:
هذه أول هوية سترت شرفنا أمام العالم.. لبسها أطهرنا وكـُفِن بها أشجعنا.. تصلح لكل شيء, للزرع, للقلع, للتخفي, للتقدّم والمواجهة, إنها بيضاء مثل مريم العذراء..
قاطعه صوت تلميذٍ طموح: ولأنها بيضاء هل ستصلح راية استسلام؟

----------------------------------------------------

حجم التضحية المُزاحة

لأن عيونه مشغولة بالعالم حوله وأفكاره في الأعلى؛ نسي أرخميدس أن ينظر لمنسوب ماء الحوض يرتفع, فألقى بجسده في الماء وأخذ يغرق نحو القاع ببطء دون أن يدري.. فيما حبيبات الماء يتدفقن من حواف الحوض وينتحرن على الأرض ويقُلن: 
افسحوا المجال للعاِلم الجليل قبل أن يغرق.


----------------------------------------------------

هل تذكرين؟

خفت علينا, حين رأيتك تتباهين في الضوء مثل راقصة مشهورة, فضّت بكارتك كل الشاشات الخائنة.
هل تذكرين ليلتنا الأولى؟
يوم كنتِ وحيدة مثلي, ومثلي ترتجفين من البرد, فحملتك على كتفي مثل طفلة وركضت بكِ جهة الحرش القديم, ثم أنزلتك عن ظهري وأطفأت سيجارتي في العتمة لأطرد الخجل, وببطء أخرجتك من ثوبك الفقير, وقبلتك بالسر..
وحين جاء الأغراب يبحثون عنا احتلنا الخوف, هربنا وراء شجرة وألقيتك عارية على التراب, ثم نمت فوقك, فرأونا متلبسين/متعانقين في الصمت والحب, جمدتني عيونهم, ووحدها أصابعي أثيرت تتحسس جسدك الساخن برفق.. حتى لامست الزناد.


----------------------------------------------------

تناص عربي

أطل من شرفة قصره العالِي, فرأى أخاه الأصغر يستميت لكي يفتت صخرة ثم يحمل أحجارها ليبني بيتاً يأويه, رقّ قلبه:
-لو أنك اعتمدت على عدوك مثلي لما اجهدت ذراعك.

"- ولو أنت اعتمدت على ذراعك مثلي لما احتجت عدونا!".

----------------------------------------------------


الوصايا

جدي قال لأبي: لا تسرق
أبي قال لأخي الأكبر.. لا تكذب
أخي الأكبر قال لي.. لا تتنازل
وأنا أقول لكم.. لم أرث عن عائلتي إلّا التعب.

----------------------------------------------------

ورود الظل


رب البيت الطيب, ضعيف الذاكرة, اقتلع وردتين من الحديقة, ليزيّن بهما صدر البيت, زرع واحده في وسط الصالة لتشرق بوجه الضيوف, والثانية زرعها في زاوية مظلمة وبعيدة عن الأعين.

مع الوقت نسي أهل البيت وجود وردة في الزاوية, فلا هم اسقوها ولا نظروا إليها.. وأخذت وردة الصالة كل اهتمامهم, يسقونها ويعتنون بها كل صباح.
وبعد شهر سمعت الزوجة الحديث الذي دار بينهن, قالت وردة الصالة بغرور: آه كم حياتي جميلة.. جميعهم يعتنون بي وكأني ملكة البيت.
ردت عليها وردة الظل: آه كم كانت حياتي عطشى, لكني استغللت إهمالهم لي وأطلقت جذوري في العتمة.. وبقي يومين حتى أصل للبئر.


----------------------------------------------------

التجربة والبرهان

في وطنها المحتل, تجاوزت المرأة الحامل عشرات الحواجز التي تفصل بين قريتها والمدينه.. وبعد عناء طويل من الوقوف في الشمس.. وتحملها لسيل مخجل من الإهانات التي وجهها لها الأغراب.. وصلت للمدينة سالمة.

دخلت لعيادة طبيب الأطفال ثم وضعت يدها على بطنها المكور وقالت "أريد طريقة تُعلْمني بمستقبل ابني, هل سيكون مقاوماً ويدمر الحاجز, أم مواطناً عادياً يمر عبر الحاجز, أم مسئولاً يرفع العدو من أجله الحاجز؟"

أجابها الطبيب: يوم مولده ابذري ثلاث حبات قمح في تراب البيت ثم اسقيهن بثلاث قطرات من حليب صدرك أيتها الأم, فإذا انبتن سنابل قمح سيكون مقاوماً, وإذا تحولن إلى شعير سيكون مواطناً عاديّاً, وإذا لم ينبتن أبداً ستلدين مسئولاً.


----------------------------------------------------

كان رئيس الحزب يحرث الأرض باحثاً عن الذهب, فارتطمت فأسهُ بقبر جندي شهيد. 
نظر الجندي من ثقب القبر مطولاً.. ثم سدّه بحفنة تراب.

----------------------------------------------------