بيان مجنون # 1
كل مساء، تكمل الأرض نصف دورة، أما العجوز المجنون فيكمل دورة كاملة حول البيوت، يقلق النائمين بصراخه: أيها الناس.. خائن كل من يجد قوت يومه.
ثم يتجاوز راكضاً إلى الشوارع الخلفية: أيها الناس.. خائن من يجد فيكم كسرة خبز. وأحياناً كان يحمل دفاً ويوسعه ضرباً وضجيجاً ويصرخ مثل مئذنة: خائنٌ من يجد الوقت ليأكل. حتى ضجر من صراخه كل أهل الحي، ولكن لم يشتكيه أحد لأن عزاءه الجنون .
وفي يوم استوقفه طفل صغير وسأله:
لم ترجم الجميع يا عم؟
جلس العجوز في وسط الشارع وأخرج من ثيابه البالية خارطة قديمة، افترشها على الأرض، وتمدد بجانبها، وأخذ يشير بأصابعه قائلا :
انظر إلى الخارطة، فيها سبعمائة قرية مسروقة، لكي تحفظ أسماء القرى فقط، ستحتاج إلى عمر كامل من التفرغ والجوع، فما بالك بتحريرها يا بني؟
صمت الطفل، أما المجنون فطوى الخريطة وأعاد إخفائها في جيبه ثم قام وركض مسرعاً في الشوارع يكمل بيانه الليلي : أيها الناس..هزمكم النسيان وقتلكم رغيف الخبز.
أفاق رجال القرية ونساؤها على الصوت، أطلوا عليه بملابس النوم وأخذوا يتهامسون: مجنون .. مجنون .